
دور الإدارة المالية في رفع الأداء المؤسسي رؤية مختلفة تتجاوز حدود الأرقام، رؤية منفتحة كشريك استراتيجي داخل المؤسسات والشركات
عندما نسمع كلمة “إدارة مالية”، يتبادر إلى الذهن فورا مصطلحات ” ميزانيات، تقارير، مصروفات، أرباح وخسائر، تقارير مالية الخ “
لكن الحقيقة أن الإدارة المالية في المؤسسات التي تريد النمو والاستمرار، أصبحت أبعد بكثير من مجرد حساب للارقام
الإدارة المالية اليوم هي واحد من أهم مصادر الوعي داخل المؤسسة حيث تكشف ما يحدث خلف الكواليس، وتربط بين الأرقام والسلوك، وبين القرارات والنتائج، وبين الموارد والأداء
من خلال هذا المقال سنقترب من الإدارة المالية برؤية مختلفة، رؤية اكثر تحليل لتوضيح الدور الجوهر الذي وجدت من اجله الإدارة المالية والتي تجعل المدير وصاحب الشركة ينظر إليها كأداة لرفع الأداء المؤسسي، لا كقسم وظيفته إعداد التقارير فقط
أولا : من إدارة او قسم متخصص في الأرقام إلى شريك في القيادة الاستراتيجية
في كثير من المؤسسات تعامل الإدارة المالية على انها المرحلة الأخير في الاعتماد واتخاذ القرار ” قسم ختامي ” مجرد فقط يستقبل الأحداث بعد وقوعها :
- تمت الحملة التسويقية
- نفّذت الخطة التشغيلية
- صرفت الرواتب والمشتريات
- تم التسعير
- تم الاتفاق مع الموردين
- تم الاتفاق مع العملاء
- تم انهاء التفاوض والاتفاقت التجارية
ثم يبدأ القسم المالي في الحساب وتسجيل النتائج
أما في المؤسسات الذكية التي تعي فعليا الدور الجوهري للإدارة المالية وما قد تقدمة من قرارات استراتيجية داخل الشركة فالإدارة المالية تدخل في الصورة منذ البداية، وتتحول إلى شريك في صنع القرار لأنها :
- تترجم الخطط والأفكار إلى أرقام يمكن قياسها
- تبيّن أثر كل قرار على السيولة والربحية والاستدامة
- تكشف مبكرا إن كان المسار المقترح يخدم أهداف المؤسسة أم يهددها
- الإدارة الوحيدة التي ليدها القدرة على التنبؤ الواقعي والأكثر صلة بالواقع من خلال الأرقام التي تعمل عليها، فالارقام هي الأداة الوحيدة التي يمكن من خلالها القيام بالقياس الصحيح
بهذا الفهم، تتحول الإدارة المالية من “مراقب” إلى “قائد مشارك” ومن مجرد إدارة الى شريك استراتيجي
ثانيا : الأرقام ليست أرقاما بمفهومها التقليدي بل سلوك مؤسسي ظاهر على شكل نتائج وقرارات
القوائم المالية لا تحكي قصة المال فقط، بل تحكي قصة المؤسسة كلها، تحكي سلوك وشخصية المؤسسة في اتخاذ القرارات
حيث واراء كل رقم :
- قرار تسويقي تم اتخاذه
- عملية تشغيلية تمت بطريقة معينة
- قرارات توسعية اما ناجحة او غير ناجحة
- موارد مالية مستنزفة او مستثمرة
- نظام جودة إما يعمل بكفاءة أو يعاني من ثغرات
- فريق موارد بشرية إمّا فعّال أو مستنزف للمؤسسة
الإدارة المالية المحترفة لا تقف عند السؤال كم حققنا من ربح أو خسرنا؟
بل تسأل :
لماذا حققنا هذه النتيجة؟ وما الذي يقف خلف هذا الرقم؟
هنا يبدأ دورها الحقيقي في كشف الأسباب، لا فقط تسجيل النتائج، وهذا هو أساس أي عملية جادة لرفع الأداء المؤسسي
الخلاصة :
الإدارة المالية دائما تسأل ليس لمجرد السؤال وانما للبحث في ما وراء الأرقام لتحليل النتائج بفاعليه، لا تسأل لمجرد العرقلة وانما تسأل لترشد الى الجهات ذات الصله لاتخاذ القرارات الرشيدة
ثالثا : المال مورد طاقة داخل المؤسسة، كيف يدار ليحدد مستوى الأداء ؟
يمكن النظر إلى الموارد المالية داخل المؤسسة كطاقة تتوزع بين الأنشطة والقطاعات، لذلك وجب عدالة في التوزيع، حكمة في التوجيه لذلك :
- إن تم ضخ المال في الأنشطة الصحيحة بالوقت المناسب، تتحرك المؤسسة بانسيابية
- وإن تم توجيهه إلى أنشطة ضعيفة أو غير مجدية، تتكوّن “كتل مالية خاملة” تستهلك ولا تضيف
هنا يظهر دور الإدارة المالية في :
- إعادة ضبط أولويات الإنفاق حسب العائد الحقيقي، لا حسب الأصوات الأعلى داخل المؤسسة
- دعم الأنشطة ذات القيمة العالية، لا الأقرب للإدارة أو الأكثر ترشيحا
- منع تضخم أقسام غير فعّالة على حساب أقسام إنتاجية
لذلك كل تعديل مالي واعي في طريقة توزيع الموارد ينعكس على الأداء من حيث :
- كفاءة أعلى
- هدر أقل
- نتائج أوضح
رابعا : الإدارة المالية وصناعة القرار الاستراتيجي
القرارات الكبرى في المؤسسة مثل التوسع، الدخول في سوق جديدة، إطلاق منتج، أو إيقاف نشاط لا ينبغي أن تبنى على الانطباع أو الحماس اللحظي
هنا يكون دور الإدارة المالية أساسي في:
- بناء سيناريوهات رقمية لكل قرار (أفضل حالة – أسوأ حالة – الحالة المتوقعة)
- قياس أثر القرار على الربحية، والسيولة، وقدرة المؤسسة على الوفاء بالتزاماتها
- تحديد ثمن القرار، ماذا سندفع؟ وماذا نتوقع أن نحصل؟
بهذه الطريقة يصبح القرار الاستراتيجي قرارا محسوبا، يسهم في رفع الأداء، بدل أن يكون تجربة تحمل في طياتها خطوره تدفع المؤسسة ثمنها لاحقا
خامسا : إدارة المخاطر المالية وحماية الأداء من السقوط
ليس كل تحسين في الأداء يعني زيادة في الأرقام فقط، أحيانا يكون الإنجاز الحقيقي هو تجنب الخسائر الكبيرة، لذلك الإدارة المالية ترفع الأداء المؤسسي عندما:
- تحلل المخاطر المحيطة بالمؤسسة (سوق، عملاء، تمويل، موردين… الخ )
- تستشرف الأزمات المحتملة وتضع لها خططا بديلة
- تبني هوامش أمان في السيولة، وتحافظ على جودة التدفق النقدي، والسياسات الائتمانية، وإدارة الديون
لذلك ان المؤسسات التي تفهم أزماتها قبل أن تقع، وتعرف كيف تحمي نفسها ماليا، يكون أداؤها أكثر ثباتا وقدرة على الاستمرار
سادسا : الإدارة المالية كحلقة وصل بين التسويق والعمليات والموارد البشرية
من أخطر الأخطاء الشائعة والتي تقع فيها الكثير من المؤسسات والشركات، النظر إلى الإدارة المالية كجهاز منفصل عن بقية الإدارات
الإدارة المالية القوية هي التي:
- تعمل مع التسويق لتحليل عوائد الشرائح المختلفة من العملاء، وتحديد المنتجات أو الخدمات الأعلى ربحية، وأين يكمن الاستثمار الناجح في المنتجات المناسبة
- تتعاون مع التشغيل لتحليل تكاليف العمليات، واكتشاف مناطق الهدر وإمكانيات التحسين
- تتكامل مع إدارة الجودة لتقدير أثر تحسين الجودة على التكاليف والربحية
- تتفاعل مع الموارد البشرية لقياس عائد الاستثمار في التدريب والكوادر القيادية
لذلك هنا لا يكون المال مجرد “نتيجة” للنشاط، بل يصبح لغة مشتركة بين الإدارات، تساعد الجميع على اتخاذ قرارات أفضل، وتوجّه الجهود نحو ما يرفع الأداء فعلا
سابعا : استشراف المستقبل وتطوير نموذج العمل
رفع الأداء المؤسسي لا يعني فقط إصلاح الحاضر، بل أيضا صناعة المستقبل ولكي ننظر الى المستقبل بالشكل الأكثر واقعيه والأكثر دقة بعيدا عن التفاؤل الزائد ، تأتي الإدارة المالية وتلعب دورا محوريا في :
- تقييم مدى قوة نموذج العمل الحالي : هل يعتمد على مصدر دخل واحد؟ هل هو حساس للتغيرات؟
- دراسة فرص التوسع أو التنويع بناء على أرقام حقيقية، لا على انطباعات
- تحليل استدامة الأرباح: هل هي ظرفية أم ناتجة عن نموذج مستقر؟
- تحليل الماضي وثغراته وفجواتها لتفادى المشاكل المستقبلية التي قد تحدث
بهذا الدور تصبح الإدارة المالية أشبه برادار استراتيجي، يرى أبعد من السنة المالية الحالية، ويساعد الإدارة العليا في اتخاذ قرارات تحمي المؤسسة من خطر الانقراض او الاختفاء وتضمن لها الاستمرار
ثامنا : ثقافة مالية داخل المؤسسة للجميع وليس وعي محصور في قسم واحد
لا يمكن أن تكون الإدارة المالية قوية، إذا كانت بقية المؤسسة تتصرف بشكل منفصل عن الوعي المالي، لذلك رفع الأداء المؤسسي يتطلب :
- أن يفهم القادة في الإدارات الأخرى معنى الهدر وتأثيره المالي
- أن يدرك الموظفون أن جودة عملهم اليومية تنعكس في النهاية في شكل أرقام
- أن يشعر الجميع بأن المال ليس مسؤولية قسم واحد، بل مسؤولية سلوك مؤسسي كامل
نتيجة لذلك عندما تتحول الرؤية المالية إلى جزء من ثقافة العمل، يتحوّل الأداء العالي من جهد الإدارة العليا إلى سلوك يومي عام داخل المؤسسة
الخلاصة :
الإدارة المالية وعي مؤسسي قبل أن تكون أداة حسابية
الإدارة المالية، حين تمارس بشكل تقليدي، تعطي أرقاما وتقارير، لكن حين تمارس دورها برؤية متكاملة تتحول إلى:
- عين ترى حقيقة الأداء المؤسسي
- عقل يحلل ويقارن ويستشرف المستقبل
- لغة مشتركة تجمع التسويق، والعمليات، والجودة، والموارد البشرية
- أداة لرفع كفاءة القرارات، وحماية المؤسسة من المخاطر، وبناء مستقبل أكثر استقرارا
المؤسسة التي تريد أن ترفع أداءها حقا، لا تبحث فقط عن “قسم مالي قوي”، بل عن فلسفة مالية حاضرة في القرار، وفي التخطيط، وفي التنفيذ، وفي الثقافة اليومية للعمل
روابط ذات صلة :
مجلة Harvard Business Review – دراسات حول الإدارة المالية
الأسئلة الشائعة حول دور الادارة المالية في رفع الأداء المؤسسي
الإدارة المالية تتجاوز إعداد التقارير، فهي شريك استراتيجي في التخطيط واتخاذ القرارات، وتساهم في رفع الأداء وتحقيق الاستدامة.
لا، بل تحلل الأرقام لفهم السلوك المؤسسي، وتفسّر النتائج لتحديد مواطن القوة والضعف داخل المؤسسة.
من خلال بناء سيناريوهات مالية للتوسع، وتحليل الأثر المتوقع على السيولة والربحية والمخاطر المحتملة.
هي حلقة وصل بين التسويق، التشغيل، الجودة، والموارد البشرية، وتعمل على تحويل المال إلى لغة مشتركة تسهّل اتخاذ القرار.
بالتأكيد، فكلما ارتفع وعي الموظفين المالي، زادت كفاءة الأداء وتراجعت نسب الهدر.
تلعب دورًا حيويًا في تحليل استدامة النموذج التشغيلي، واستباق الأزمات، وتقييم فرص التوسع بناءً على أرقام دقيقة.
